الطب الحديث , الطب الشعبي و " طب الله جابه "

الطب الحديث , الطب الشعبي و " طب الله جابه "

بسم الله الرحمن الرحيم




الطب الحديث والطب الشعبي و" طب الله جابه "



ليس للإنسان , أي كان هذا الإنسان , أي قدرة على التدخل في قدرة الله سبحانه وتعالى ومشيئته , مع ذلك يصر " البعض " على إستغلال الإيمان بالقضاء والقدر وتوظيف ذلك لتبرير " أفعاله " .


وترى أكثر الأمثلة التي تدل على ذلك في مجال الطب بجميع تخصصاته , ولكن
يظهر بشكل أوضح في تخصصات الطب الحرج .


هذا نوع من "التطبيب" أطلق عليه " طب الله جابه " .


ومن الإسم وكما هو واضح نرى كيف أن إيماننا يستغل لتبرير هذا النوع من "التطبيب" , فنحن نؤمن بأن الله هو النافع وهو المضر وهو الذي يحي ويميت , ولكن يتكئ البعض على هذه الحقيقة التي لا يختلف عليها مؤمنين , ويسخروا , والعياذ بالله, هذا الإيمان لتبرير جهلهم و سوء تعاملهم الطبي وأخطائهم الجلية لكل متخصص.


وفي بلادنا نواجه هذه المصيبة يوميا , لأن " الصحة " عندنا واجهت خيارين هما خيار النوعية و خيار الكمية . أي أنه وبسبب التوسع الكبير في الخدمات الطبية والذي يواجهه محدودية الخريجين من كلياتنا الطبية وندرة المتخصصين الجيدين في الكثير من التخصصات الدقيقة , كان علينا إما اختيار الجودة النوعية وخلق نظام يقدم خدمة بمستوى جيد مع محدودية الأعداد( وهو ما تعمل به أغلب الدول التي تقد طب جيد ) أو خيار ملئ المستشفيات و المراكز الطبية " بأطباء " أيا كان مستواهم .


والواضح لي كممارس لأحد التخصصات الدقيقة, أن اختيارنا كان تجاه الكمية لا النوعية , ففتح ذلك باب واسع لتقديم هذا النوع " العجيب " من الطب .


ولهذا الطب , " طب الله جابه " أصول وقواعد وضعها أباطرة هذا العلم " الجديد " وألخصها من مشاهدات يومية, وهي كما تلي :







القاعدة الأولى: الفتنة نائمة لعن الله موقظها


من الطبيعي ومما لا يخفى على كل ( كيس فطن ) أن هذه القاعدة عند هؤلاء لا ترتبط بصلة لمقصد الحديث الشريف , إنما هي استعارة غير مباركة , و القصد من هذه القاعدة عند أهل " طب الله جابه " هو عدم البحث عن الداء بأي شكل من الأشكال , لأن ذلك سوف يثير أسئلة يصعب عليهم حلّها.
إذا الحل الأمثل هو عدم التدخل الجدي و وتضييع الوقت حتى يستفحل المرض و يصل إلى درجة تجعل أي تدخل هو جيد ( كما يعتقد أهل طب الله جابه ) , وإن لم ينفع التدخل فإن ذلك هو بسبب سوء الحالة على أية حال .


بالتالي لا يمكن مساءلة " الطبيب " , وهذا هو بيت القصيد .


وعلينا أن نعرف أن المريض عند أهل طب الله جابه ( مشكلة ) و مصدر إزعاج
يجب التخلص منه ؟ لأنه مصدر لطرح الأسئلة التي قد تكشف المستور .


عموما في النهاية هو القضاء والقدر ولا يمكن للطبيب أن يمنع وقوع القدر ! أليس
كذلك ؟ ؟



القاعدة الثانية: الكثرة تغلب الشجاعة


وهذه القاعدة هي نتاج اختيارنا الخاطئ والذي قدم الكمية على النوعية .


فالآن وكطبيب محلي مؤهل , ومهما كان تخصصك العام أو الدقيق , ومهما كانت خبرتك فإن رأيك أو بشكل أصح صوتك يساوي صوت واحد فقط !....فنحن في عهد الديموقراطية !؟


أما عدد أصوات أهل طب الله جابه فهو أكثر من الهم على القلب , وبالتالي فرأيك
التخصصي لا يعني أي شيء , فهم رجال قصدي دكاترة وأنت ....؟


المصيبة أن القرار الطبي الآخير وفي الكثير من الأحيان هو في يد إداري ليس له في
الأمور الفنية ناقة أو بعير , وبما أنهم ديمقراطيون فالطبيعي أن يأخذوا بالأغلبية , فالطب عندهم يعتمد أساسا على الرأي الشخصي لا الدليل العلمي !


وهذا أيضا يشرح سبب تردي حالة الثقافة الطبية العامة عند العامة من الناس , وانتشار " معتقدات " طبية توافق ثقافة " طب الله جابه " بحيث يصعب زحزحتها من العقول وإبدالها بمفاهيم صحيحة .



القاعدة الثالثة: ليس بالإمكان أكثر مما كان


يتم تفعيل هذه القاعدة قبل لمس المريض , ناهيك عن فحصه , فيكفي وحسب أهل
طب الله جابه , أن يعرف الطبيب أن هناك مريض , كخطوة أولية في العلاج ,ولا نعرف مدة هذه الخطوة فهي ليس لها علاقة بمدى خطورة الحالة وحراجتها .


فالأصل أن هناك طب واحد للجميع , مرة أخرى فنحن في عهد الديموقراطية !؟


أيضا تفعّل هذه القاعدة حين تزيد حيرة " الطبيب " ! فماذا بمقدورنا أن نعمل بعد
وضعنا كفنا على جبين المريض وطلبنا منه أن يفتح فمه وقد نقيس الضغط أو
نستخدم السماعة ( من فوق الملابس ) وعلى عجل !؟


وماذا بمقدورنا أن نعمل بعد أن طلبنا الفحوصات ؟؟ وإن لم نطلع عليها , أو أن
نطلع عليها فقط دون أي قدرة على ترجمة معناها, ترجمة قد توصلنا إلى تشخيص يساعد في العلاج .


فالحقيقة أننا نحتاج الى طبيب آخر ( أو أي شخص ) حتى يأخذ بيد طبيب طب الله
جابه الى الخطوة التالية , أي طبيب يحتاج إلى طبيب !!؟



القاعدة الرابعة: كثر الدوي يغلب السحر


وهذه القاعدة تختلف جذريا عن القاعدة الثانية , فهي موجهة ناحية المريض أو
بالأحرى أهل المريض ( لأن المريض الله يرحمه ).


والدوي ( أو الزن ) هو نوع من " العلاج الكلامي " , أي إقناع المريض وأهله
بأي شيئ فهو أهم من العلاج نفسه .


وطبعا حين يتلون الكلام بمصطلحات إنجليزية طبية لا يفهمها السامع وأخرى
دينية لا يجهلها السامع ولم ينساها , فإن في ذلك وحسب خبراء طب الله جابه
البلسم الشافي .






القاعدة الخامسة: تغيير الحال من المحال


لشرح هذه القاعدة , لنفترض أن المريض حضر للمستشفى وهو أزرق اللون و
" تقريبا " مغمى عليه, عند أهل طب الله جابه أن هذا هو الحال الطبيعي للمريض !!
ولا يحتاج إلى تدخل ؟


لماذا ؟ لأنه الحال الذي رآه " الطبيب " في أول لقاء له مع المريض .


طبعا تترجم هذه القاعدة ما سوف يقوم به " الطبيب " , والذي ولا شك سوف
يقوم مباشرة بتفعيل القاعدة الأولى , والإنتظار حتى تتغير الحالة لدرجة تتطلب
التدخل السريع !!


التدخل الذي لن يقدم أو يؤخر , لأن القدر سبق ! ألم أقل لكم بأنه طب الله جابه ؟


بقي أن أوضح بأن هذا النوع من الطب يحتاج إلى مؤهل وهو أن لا تكون مؤهل بشكل جدي, وهو طب لا تحده حدود ولكنه عالمي , وهناك الكثير من أطباء طب الله جابه ممن ينتظرون الفرصة الذهبية في مستشفياتنا والتي تلم !؟.


أخيرا
لا يقابل " طب الله جابه " في مجتمعنا سوى الفتوى ممن هم ليسوا أهل
للفتوى , وكل ما تحتاجه لكي تفتي هو أن تكون واثق على جهل , قوي القلب
بموات وجريء العين حتى الوقاحة .


وطبيب طب الله جابه ليس بعيدا عن هذا النوع من الفتوى "الطبية" !


ســــوار